

تُعدّ الطاقة أحد أهم مفاهيم العلوم والطبيعة، وتُعرّف علميًّا على أنها القدرة على إنجاز شُغل. في حياتنا اليومية، نرى مظاهرها في حركة السيارات، وتشغيل الآلات، وإضاءة المصابيح، وحتى في أجسامنا التي تحتاج إلى الطاقة اللازمة للحركة والنمو.
الطاقة ليست مادة ملموسة، بل هي خاصية أساسية للكون، ولا يمكن خلقها أو إفناؤها، وإنما تتحول من شكل إلى آخر، وفق قانون حفظ الطاقة.
تاريخيًّا، كان الإنسان دائم البحث عن مصادر الطاقة منذ اكتشاف النار قبل مئات آلاف السنين، والتي شكّلت أول ثورة في حياة البشر؛ مكنته النار من الطهو، والتدفئة، والحماية. ثم جاء استخدام الطاقة الميكانيكية بديلاً عن طاقة العضلات البشرية والحيوانية التي كانت تُستخدم قديمًا في الزراعة والنقل. ومع تقدم الحضارات، اكتشف الإنسان قدرة تيارات الرياح على تحريك السفن والمطاحن الهوائية، وكذلك استخدام المياه في تشغيل الطواحين على ضفاف الأنهار.
أما التحول الأكبر في مجال تحويل الطاقة والاستفادة منها فقد حدث مع الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر الميلادي، حين بدأ الاعتماد على الحرارة الناتجة عن احتراق الفحم لتوليد البخار المستخدم في تشغيل المحركات البخارية. هذا الابتكار غيّر وجه العالم، وطوّر حركة التجارة العالمية، وساهم في تطوير المصانع، والقطارات، والسفن البخارية، وأسهم في نمو المدن والاقتصاد بشكل غير مسبوق، كما لفت أنظار العلماء والمستثمرين إلى أهمية الطاقة ومصادرها.
في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وأوائل القرن العشرين، ظهر النفط والغاز الطبيعي كمصادر جديدة للطاقة. أصبح النفط شريانًا أساسيًّا لحركة المركبات وتشغيل الآلات الحديثة، في حين غدا الغاز الطبيعي مصدرًا مهمًّا للطهو والتدفئة وتوليد الكهرباء. وتُعرف هذه المصادر – الفحم، والنفط، والغاز الطبيعي – باسم الوقود الأحفوري، أو الطاقة التقليدية، وهي مواد قابلة للاحتراق تحتوي على طاقة كيميائية عالية الكثافة، تكوّنت عبر ملايين السنين من تحلّل بقايا النباتات والحيوانات تحت ضغط وحرارة عاليين في باطن الأرض. وسُمّيت “أحفورية” نظرًا لطريقة تكوّنها واستخراجها من باطن الأرض بالحفر. عند حرقها، تنتج طاقة حرارية تتحول بوسائل متعددة إلى طاقة ميكانيكية أو كهربائية.
تكمن أهمية الطاقة التقليدية في سهولة تخزينها ونقلها وكثافتها العالية، ما جعلها الأساس الذي قامت عليه الثورة الصناعية والتنمية الحديثة. لكنها ليست بلا ثمن، فهي موارد محدودة وغير متجددة، وعند احتراقها تطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى، المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ. كما تسبب انبعاثات ملوّثة ضارة بالصحة العامة للإنسان، وتفرض تحديات بيئية مثل تلوث المياه والتربة. ومع تزايد الوعي البيئي وتنامي الطلب العالمي على الطاقة، أصبح البحث عن بدائل نظيفة ومتجددة ضرورة ملحّة. ولفهم هذا التحول، يجب أن نقدّر دور مصادر الطاقة التقليدية في بناء الحضارة، ونعترف في الوقت نفسه بقيودها ومخاطرها.
في مقالاتنا القادمة، سنواصل هذه الرحلة المعرفية لنُفصّل الدوافع العالمية للانتقال إلى الطاقة المتجددة، وأنواعها، وتاريخ تطورها، وكيف تمثل أملًا في تحقيق تنمية مستدامة تحافظ على الأرض للأجيال القادمة.