في زمن تتسارع فيه المعلومات وتتعدد مصادرها، يقف الإعلامي أمام مسؤولية كبرى في التمييز بين المفاهيم والمصطلحات المهنية، وعلى رأسها مصطلحا "النبأ" و"الخبر". قد يبدو هذان المصطلحان للكثيرين مترادفين يحملان المعنى ذاته، وقد يظن البعض أن "النبأ" هو معلومة إخبارية مختصرة، بينما "الخبر" هو معلومة إخبارية طويلة ومفصلة. في حين أن الواقع المهني يؤكد وجود اختلاف جوهري بينهما في المعنى، والمصدر، والدور الإعلامي لكل منهما.
"النبأ": السبق والموثوقية
يُشتق "النبأ" من كلمة "نَبَأَ"، والتي تعني الإخبار بشيء يُسمع لأول مرة. وهو يمثل المعلومة التي تُنقل في زمنها الأولي من مصدرها الأصلي. لهذا، تُعد وكالات الأنباء هي المنتج الأساسي للنبأ، وتُعتبر مصدرًا رئيسًا للمعلومة التي لم تُنقل من قبل؛ ما يمنحها ميزة السبق والموثوقية.
والنبأ يسبق الخبر في التوقيت والأهمية، كونه يمثل المعلومة الأولية. وهذا ما يجعله ركيزة أولى تعتمد عليها غرف الأخبار في الصحف والقنوات لاحقًا لصناعة محتواها. ومما يعزز مكانة النبأ أن منتجيه (وكالات الأنباء الرسمية للدول أو الوكالات العالمية الكبرى كـ رويترز أو AFP) لا يقتصر دورهم على نقل الأحداث فحسب، بل يؤدون دورًا جوهريًا في صناعة القصة الإخبارية وتقديمها كمنتج إعلامي أولي عالي القيمة والصدق، ليتم تداوله لاحقًا في شكل "خبر".
"الخبر": التداول والتحرير
أما "الخبر"، فهو المنتج الإعلامي الذي يتم تداوله في القنوات المختلفة من صحف وتلفاز ومنصات رقمية، وهو في الغالب عملية تحويلية للنبأ الأصلي، أي أنه يأتي بعد النبأ في التوقيت.
وتُقدّم غرف الأخبار دور "الوسيط" الذي يضيف قيمة تحريرية وتحليلاً وتفسيرًا للنبأ، ليُقدَّم الخبر للمتلقي بصياغة مختلفة من وجهة نظر تخدم الجمهور أو الخط التحريري للوسيلة الإعلامية؛ مما قد يخضع لنظريات إعلامية مثل "وضع الأجندة" و"تحليل الإطار".
الخلاصة
تمثل "الأنباء" المادة الخام والإخبار الأولي؛ فهي ما تقوم به وكالات الأنباء من تقديم معلومات جديدة من مصدر أصلي أو رئيسي. ولذلك، تأتي الأنباء دائمًا من مصادر موثوقة ورسمية. أما "الأخبار"، فهي كل ما تنشره صحيفة أو قناة إخبارية، وهي عملية معالجة لأنباء سُمعت من قبل، تُقدَّم بأسلوب تحريري مهني محدد وفقًا لمنهجية المؤسسة الإعلامية. وقد يُضاف إليها وجهات نظر متباينة أو تحليل وتفسير، أو قد يُحذف منها. ولهذا، قد تأتي بعض الأخبار من أي مصدر، وقد لا يكون بالضرورة صحيحًا ما لم تستند إلى محرر صحفي موثوق.
أهمية التفريق المهني
إن هذا الفرق لا يُعد ترفًا لغويًا، بل هو أصل مهني يجب أن يُدركه كل من يعمل في المجال الإعلامي. والسبب في ذلك هو أن التعامل مع النبأ يتطلب دقة وموثوقية عالية في النقل والمصدر؛ بينما الخبر قد يخضع للتحليل، أو التفسير، أو الإضافة التحريرية؛ مما يؤثر على طريقة تقديمه للمتلقي وتأثيره فيه.
ختامًا، أتوجه إليكم بجزيل الشكر على وقتكم الثمين الذي خَصَّصتُموه في قراءة هذا المقال، وأرجو أن تكون الفائدة قد عمت، وأن يكون الطرح قد أضاء لكم جوانب هامة من فلسفة العمل الإعلامي.
عبدالعزيز بن عبدالله القرناس
وحدة الإعلام بإدارة العلاقات العامة والهوية المؤسسية
د.محمد عبدالمنعم إبراهيم السخاوي
أ.سعود العبدان
د.محمود حسن البديوي