مستقبل الاستدامة من خلال الريادة في المباني الخضراء

يشهد العالم اليوم تحولاً كبيراً نحو تبني مفاهيم الاستدامة، ويُعد قطاع البناء والتشييد من أكثر القطاعات تأثيراً على البيئة بسبب استهلاكه الضخم للموارد الطبيعية واعتماده الكبير على الخرسانة التي تأتي في المرتبة الثانية بعد الماء من حيث حجم الاستهلاك. هذا الاعتماد جعل القطاع مسؤولاً عن نسب عالية من الانبعاثات الكربونية والنفايات، مما يفرض ضرورة تبني حلول جذرية تقلل من التلوث وترفع كفاءة استخدام الطاقة والموارد.
في هذا السياق، تسعى المملكة العربية السعودية من خلال رؤية 2030 إلى خفض الانبعاثات الكربونية بمقدار 27 طناً سنوياً بحلول عام 2030م ، والوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2060م . ويتحقق ذلك عبر تطوير المباني القائمة، وتصميم مشاريع جديدة وفق معايير المباني الخضراء، إلى جانب رفع كفاءة استهلاك الطاقة والمياه وتقليل النفايات عبر إعادة التدوير والفرز.
من أبرز الأطر العالمية في هذا المجال نظام LEED (الريادة في الطاقة والتصميم البيئي)، الذي يشمل سبعة محاور رئيسية: تحسين جودة البيئة الداخلية، استخدام المواد المستدامة، اختيار مواقع مناسبة للنقل العام، حماية النظم البيئية أثناء البناء، تعزيز كفاءة الطاقة، ترشيد استهلاك المياه، وأخيراً الابتكار بحلول تتجاوز المتطلبات الأساسية. هذه المعايير توفر فوائد بيئية واقتصادية واجتماعية، إذ تسهم في تحسين جودة الحياة، وتقليل التكاليف التشغيلية، وتعزيز كفاءة استثمار الموارد.
ولتحقيق هذه الأهداف، تبرز أهمية وجود خبراء ومهندسين مؤهلين قادرين على تطبيق استراتيجيات الاستدامة بكفاءة. ومن هنا تأتي مبادرات محلية مثل "البناء المستدام" و"شهادة مستدام" التي أطلقتها وزارة البلديات والإسكان، إضافة إلى جهود جمعية محترفي الاستدامة السعودية في نشر المعرفة من خلال منتدى الاستدامة والبرامج التدريبية والمسابقات.
على المستوى العالمي، تتصدر الولايات المتحدة ٣٤٦٣٩ مشروع معتمد دول العالم ثم تأتي الصين في قائمة الدول الحاصلة على اعتماد مشاريع LEED بعدد يفوق 1800 مشروع، تليها كندا والهند. إقليمياً، حققت دول الشرق الأوسط أكثر من 2000 مشروع معتمد، حيث جاءت المملكة العربية السعودية في الصدارة بـ 874 مشروعاً، متقدمة على الإمارات وقطر، ما يعكس الدور القيادي للمملكة في المنطقة.
إن تبني هذه المعايير لا يعكس فقط التزاماً بيئياً، بل يعزز أيضاً مكانة المملكة في المنافسة العالمية. فالمباني الخضراء ليست مجرد خيار معماري، بل هي استثمار طويل الأمد يحقق عوائد اقتصادية ويحسن جودة حياة الإنسان ويضمن بيئة أكثر استدامة للأجيال القادمة.
المهندس/ محمد بن محياء الدوسري
طالب في مرحلة الماجستير في الهندسة الميكانيكية