طرائق التدريس الحديثة في مدارس التعليم العام.. بارقة أمل
يشهد قطاع التعليم العام في المملكة العربية السعودية عدة مشاريع تطويرية، تتناول مكونات البيئة التعليمية بجوانبها المختلفة؛ للرقي بمستوى الطالب في المراحل التعليمية الثلاث (الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية)؛ أملاً في تهذيب وتنمية مختلف جوانب النمو في شخصية المُتعلِّم، والخروج بمنتج متكامل يتمثَّل المهارات والقيم والمعارف والسلوكيات الإيجابية.
وبما أن طرائق التدريس واستراتيجياته هي أحد عناصر المنهج المدرسي المهمة، التي تعبر عن تفاعل الطالب مع المحتوى الدراسي وأنشطته، والتي تمثل عاملاً مساعداً لتحقيق نواتج التعلم المخطط لها سلفاً. وعليه فـ”إن المعلم يحتاج أن يتزود باستراتيجيات تعليم تسهِّل على الطلاب الإقبال على إنجاز المهام اليومية المسندة إليهم. فاستخدام المعلم لاستراتيجيات التعليم يحد من الحاجة إلى اتباع سياسة المجابهة مع الطلاب بهدف دفعهم إلى التعلّم، كما أن هذه الاستراتيجيات تعمل على جذب انتباه الطلاب بشكل طبيعي للتعلّم وتحفزهم على المشاركة الفاعلة”. (أبو رياش، وآخرون، 2014م، ص18)
وبالحديث عن واقع طرائق التدريس في مدارس التعليم العام، يُلحظ وجود بوادر للاهتمام من العاملين في الميدان التربوي من معلمين ومعلمات، وذلك بتطبيق أهم الاستراتيجيات الحديثة؛ نتيجة معرفتهم الشخصية، أو تطويرهم الذاتي عبر انخراطهم في برامج الدراسات العليا في المساقات التربوية، التي تساعدهم في التعرف على أهم المستحدثات في مجال المناهج وطرائق التدريس ومداخله المختلفة، وما انتهى إليه الأدب والدراسات التربوية في هذا الميدان الرحب. وساعدهم أكثر الانفتاح على قواعد النشر العلمي ووسائل التواصل الاجتماعي التي تهتم بنشر التجارب والمحاولات الرائدة في المجال
وكذلك فإن التحاق المعلمين والمعلمات بالدورات التدريبية الصباحية أو المسائية التي تقدمها إدارات التدريب التربوي ومكاتب التربية بوزارة التعليم، يعطي دلالة واضحة على الرغبة في التطوير والتحسين المستمر، والذي يُؤمل منه الاستفادة والتطبيق في الدروس اليومية التي تقدم في المدارس على اختلاف التخصصات والمحتويات. وبعد الرجوع إلى بعض الحقائب المعدة سلفاً، برزت أهم الاستراتيجيات الحديثة، والتي رُكِّز على تقديمها في البرامج التدريبية، كاستراتيجيات التعلم النشط، وحل المشكلات، والذكاءات المتعددة، واستخدام الخرائط الذهنية في التدريس، والعصف الذهني،…الخ.
وعند الحديث عن تدريس الرياضيات، كأحد المواد الدراسية التي تشغل حيزاً في الجدول الدراسي اليومي للطالب على اختلاف المراحل الدراسية، والتي خطت خطوات محمودة نحو استنساخ التجارب العالمية، ومحاولة مواءَمتها عبر المحتويات المطورة التي تم اختيارها منذ أكثر من سبع سنوات بالمملكة العربية السعودية، والتي تقوم على أحدث النظريات والاستراتيجيات في مجال التربية والقياس والتقويم، وذلك باعتماد المحتويات المطورة على النماذج البنائية في التدريس وحل المشكلات، والربط بالواقع الذي يعيشه الطالب من خلال عرض الأمثلة والتطبيقات للمفاهيم والنظريات الرياضية. وكذلك تنويع أساليب التقويم داخل الموضوع الواحد، وتعزيز ذلك بالإشارة إليه في دليل المعلم لمادة الرياضيات وكيفية تطبيقه. وأيضاً الحث على التوظيف الأمثل للتقنية ودمجها في العملية التعلمية لتتكامل مع كافة عناصر المنهاج المدرسي، والتي تظهر جلياً في محتويات المرحلتين المتوسطة والثانوية عبر دروس المعمل والبرمجيات المختلفة
وعليه فإن تطوير مناهج الرياضيات -والعلوم الطبيعية- في ضوء استراتيجيات التعلم البنائي، الذي يقوم على تفاعل الطالب مع المفاهيم والمهارات والنظريات العلمية، ودور المعلم يتمثل في تحفيزه وإرشاده وتوجيهه للتعلم، بحيث يربط الطالب المعرفة الجديدة بالمعرفة السابقة بصورة تجعل لتعلمه فهماً ومعناً وتطبيقاً. وتم تدريب معلمي الرياضيات والعلوم على عدة حقائب تدريبية، تأتي ضمن عدة اتفاقيات لوزارة التعليم مع عدد من الجهات ذات العلاقة.
إلا أن بعض الدراسات الحديثة أكدت على وجود بعض الاحتياجات التدريبية لمعلمي ومعلمات الرياضيات لتدريس المنهج المطور وفق سلسلة ماجروهل التعليمية، كدراسة (عسيري، 2014م) التي خلصت لعدة نتائج يأتي في مقدمتها: “الحاجة للتدريب في أساليب التدريس”، وأوصت الدراسة بوضع برامج تدريبية تلبي حاجة المعلمين وبمشاركتهم. وفي حين أظهرت (دراسة الحربي، 2012م) أن درجة توافر المهارات التدريسية اللازمة لتدريس الرياضيات المطورة لدى معلمي ومعلمات الرياضيات في مجالات (التخطيط، التنفيذ، التقويم) كانت بدرجة متوسطة. وأوصت الدراسة بتطوير مقررات طرق تدريس الرياضيات بحيث تتضمن المهارات التدريسية اللازمة لتدريس الرياضيات المطورة، والاهتمام بتقديم دورات تدريبية لمعلمي ومعلمات الرياضيات تركز على المهارات اللازمة، وتعرفهم بالسلاسل الحديثة، وفلسفة بناءها والاتجاهات الحديثة التي بنيت عليها، والاستراتيجيات اللازمة لتنفيذها.
ولعله من المهم عند التخطيط للبرامج والدورات التدريبية، والنشرات التي تختص باستراتيجيات التدريس الحديثة، وسبل تطبيقها في الميدان التعليمي أن يتم مراعاة عدة أمور يُعتقد بأنها ستساعد في الاستفادة من مثل هذه المشاريع، وبالتالي إحداث نقلة نوعية في تعليم وتعلم الطلبة، وهي:
1-المبدأ الرئيس الذي ينبغي إرساؤه والتأكيد عليه، هو أنه لا يوجد طريقة مثلى في التدريس تصلح لجميع الطلاب والمواد الدراسية، وفي ضوء جميع الظروف. فطبيعة المتعلمين وعددهم، وتصميم الغرفة الدراسية والمبنى، هي عوامل أساسية تؤخذ بالحسبان قبل تطبيق الاستراتيجية التدريسية.
2-أن التدريس داخل الصف الدراسي عبارة عن جانبين: جانب تعليمي وآخر إداري، فالجانب التعليمي عبارة عن الأنشطة المسيرة لتعلم الطالب، مثل: توفير الوسائل التعلمية، والأنشطة المحققة لأهداف الدرس، وتخطيط الدرس، وتأصل المعلومات، وتشخيص فئات الطلاب. والجانب الإداري عبارة عن تيسير الظروف التي تحدث تيسير الظروف التي تحدث من خلالها عملية التعلم بفعالية وجودة عالية، مثل: تنمية العلاقات الإيجابية بين المعلم والطالب، وتهيئة المناخ النفسي المريح والإبداع في بيئة الصف.(العلي، 2009م، ص75(
3-ينبغي في مثل هذه الدورات التربوية التي تتناول استراتيجيات التدريس الحديثة التركيز على الجانب التطبيقي، من المهارات التدريسية التي تُسهم في تحقيق الاستراتيجية المُطبَّقة والدُربة عليها، وتعاهدها بالتدريب والمران. فالكم النظري يسهل الرجوع إليه لاحقاً، ويكتفى بما يتناسب مع وقت الدورة وخصائص الفئة المستهدفة من التدريب.
4-يلزم الاستفادة من النماذج الرائدة في الميدان التربوي، والتي لها مشاركات إبداعية في مجال الاستراتيجيات التدريسية والبيئة المبتكرة، والتي تم تسليط الضوء عليها في المعارض والمنافسات المحلية والعربية، كجوائز التميز في التربية والتعليم، وتقديمها كشواهد في مثل هذه البرامج والورش التدريبية، فهي أبلغ وأدعى للوصول لما يراد، وما يسعى لتحقيقه من خلال تطبيق الاستراتيجيات الحديثة.
المراجع:
· أبو رياش، حسين محمد، وآخرون. (2014م). أصول استراتيجيات التعلُّم والتعليم النظرية والتطبيق. ط2، دار الثقافة للنشر والتوزيع. عمَّان
· الرويس، عبدالعزيز بن محمد. (2014م). درجة إشراكية الطلاب في محتوى مناهج الرياضيات المطورة بالمرحلة الابتدائية : دراسة تحليلية. مجلة العلوم التربوية والنفسية بجامعة القصيم. السعودية. مج7, ع2. ص 733 – 772.
· عسيري، محمد بن مفرح بن يحيى. (2014م). الاحتياجات التدريبية لمعلمي ومعلمات الرياضيات لتدريس المنهج المطور من سلسلة ماقروهل التعليمية (McGraw Hill Education) في المرحلة المتوسطة بنجران. مجلة تربويات الرياضيات. مصر. مج17, ع7. ص 6 – 60.
· الحربي، محمد بن صنت (2012م). المهارات التدريسية اللازمة لتدريس الرياضيات المطورة (سلسلة ماجروهل) في المرحلة المتوسطة ومدى توافرها لدى معلمي ومعلمات الرياضيات من وجهة نظر مشرفي ومشرفات الرياضيات. مجلة دراسات في المناهج والاشراف التربوي. السعودية. مج 3, ع 2. ص 241 – 329
· فضل الله، محمد رجب. (2014م). تشخيص واقع البحث التربوي في المناهج و طرق التدريس ، و مقترحات لتطويره. المؤتمر العلمي العربي الثامن: الإنتاج العلمي التربوي في البيئة العربية. مصر. ص 143 – 162.
· العلي، نهاد إسماعيل. (2009م). أخطاء تربوية داخل الصفوف الدراسية (رؤية من الواقع). مجلة التربية. البحرين. س8. ع27. ص75.
· إبراهيم، أسماء أحمد. (2014م). طرائق التدريس: بين الواقع و صعوبة التطبيق. مجلة كلية التربية الأساسية بالجامعة المستنصرية. العراق. ع82. ص 573 – 584.