الدافعية الذاتية
تلعب مواقفنا السلوكية الناتجة عن أفكارنا ومشاعرنا دوراً بارزاً في إنجاح مساعينا نحو الحياة أو إفشالها ؛ فإذا قرر أحدنا اتخاذ موقف إيجابي حيال أمر ما ، أو حدث ما ؛ فالنتيجة ستكون إيجابية حتى وإن طال أمد ظهورها، والعكس صحيح .
فالمشكلة الكبرى التي تعيقنا عن تحقيق آمالنا وطموحاتنا تكمن في الشعور بالعجز تجاه القيام بالمجهود الكافي والالتزام الجاد الدافع لتحقيق الانجازات والنجاحات.
والذي نحتاجه في هذا السبيل هو:
- الاقتناع التام بأننا مصدر أفكارنا ، ونحن من يتحمل بالتالي نتائج القرارات المترتبة عليها.
- البدء بالعمل الجاد، وعدم التراخي، والخروج من سيطرة الأفكار السلبية المعيقة.
- الدافعية الذاتية المكتسبة من خلال السلوكيات والممارسات المستنتجة من تجارب الحياة، والتي يقصد بها: الإيمان بالقدرات والإمكانات الذاتية المحققة للنجاحات. إضافة إلى الحزم والعزم، والجد والاجتهاد في مواجهة العوائق والتحديات التي يمكن أن تعترض طريقنا أثناء سعينا الحثيث في دروب الحياة .
فالدافعية الذاتية وقود مشعل للنشاط، ومولد لمشاعر التقدير الذاتي التي تمكن صاحبها من النهوض المباشر من عثرته وهو أكثر عزماً و إصراراً على تحقيق أهدافه وطموحاته.
خطب عمر بن عبدالعزيز- رحمه الله- قائلاً:" أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لِي نَفْسًا تَوَّاقَةً لا تُعْطَى شَيْئًا إِلا تَاقَتْ إِلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، وَإِنِّي لَمَّا أُعْطِيتُ الْخِلافَةَ تَاقَتْ نَفْسِي إِلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا وَهِيَ الْجَنَّةُ، فَأَعِينُونِي عَلَيْهَا يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ "1
ومما تجدر الإشارة إليه أن الدافعية الذاتية يتم اكتسابها من خلال تكرار التجارب الناجحة في الحياة، واجتياز معيقاتها بنجاح ، إضافة إلى عدد من الأمور الداعمة، ومن ذلك :
1- البعد عن الأفكار السلبية والمشاعر الانهزامية المقيدة لانطلاقة جادة وعملية.
2- الحوار الإيجابي مع الذات بتعزيز قناعتنا بالقدرة على تحقيق التغيير الذاتي، وخلق فرص النجاح.
3- تحديد وكتابة أهدافنا المتوازنة في الحياة ، ومن المهم في هذا الصدد التحقق مما يلي :
- مناسبتها لإمكاناتنا وقدراتنا، حتى لا نفاجئ بوقوعنا تحت طائلة الضغوط النفسية الناتجة عن عدم تحقيق ما رسمناه لأنفسنا من أهداف .
- انتهاج أسلوب التمرحل ؛ بتقسيم الأهداف الكبيرة إلى مجموعة من الأهداف الصغيرة التي يمكن تحقيقها بسهولة، ووقت وجيز.
- البدء بمعالجة التحديات الصغيرة ؛ حيث أن النجاح فيها يغذي الدافعية الذاتية، ويذكي في النفس الرغبة بالتقدم تجاه تحديات أكبر.
- الاستمتاع بالعمل والإنجاز والبعد عن التململ من الظروف السلبية المحيطة.
- التركيز في الاتجاه العلمي والعملي على مجال محدد، والبعد عن التشتت المفضي إلى الضياع.
- الانتماء إلى الأوساط التي يتمتع أفرادها بالدافعية الذاتية الإيجابية ، ومخالطتهم ، والعمل معهم على تحقيق المزيد من الإنجازات، وعدم الاستسلام إلى المحبطين والمثبطين .
- قراءة سير الناجحين، واستخلاص الحِكم والعبر منها.
وما أجمل قول النابغة الذبياني في مدح "عصام بن شهر" :
نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامَا وَعَلَّمَتْهُ الْكَرَّ وَ الإِقْدَامَا
وَصَيَّرَتْهُ مَلِكًا هُمَامَا حَتَّى عَلاَ وَجَاوَزَ الأَقْوَامَا2
1- ابن كثير ( 1407هـ ) . البداية والنهاية .دار الفكر .ج9 . ص :184.
2- ابن عبد ربه الأندلسي. ( 1404 هـ) . العقد الفريد . دار الكتب العلمية . ط1. ج 3. ص: 324