من يركض وراك؟ جيل السرعة لم يعد يحتمل الانتظار

لقد أخذتنا سطوة الحياة السريعة من أنفسنا، لذلك نشعر دائمًا بأن طاقتنا مهدرة، يلازمنا الإرهاق، وكأننا كنا نجري يومنا كله. أصبحنا نركّز على كيف نواكب السرعة التي يمشي بها العالم، لأن العالم كله أصبح “فوريًّا” للغاية، لا يسعنا إلا أن نركض معه. هذا شعار العصر: كل شيء أصبح “فوريًّا”، وإن لم يكن كذلك اتهمناه بالرجعية، أو قلنا متعجبين: “ترانا في 2025!”
إجراءات مصيرية مرتبطة بقرارات حياتنا أصبحت كلها تنتهي في نقرة زرٍّ تستغرق منا جزءًا من الثانية: قبول الجامعة، نتائج اختبارات، حجز السفر، إصدار هوية رسمية أو جواز. حتى السؤال عن الأحباب ومعرفة أحوالهم أصبحت تصل إلى شاشات جوالاتنا الخاصة في ملخّص “سنابة”، بعد أن كانت المجالس تضج بالترحيب والعلوم الغانمة.
في الوقت نفسه، سرقتنا العجلة عن التأني، والسرعة عن التأمل والهدوء، حتى إننا فقدنا الصبر، وأصبح الانتظار يولّد لدينا قلقًا مفرطًا.
كان الصبر فضيلة نعيشها يوميًا دون أن نشعر بثقلها، واليوم حتى الوقت في انتظار نتيجة امتحان أصبح لا يُطاق. كل هذا ناتج عن تعوّد أدمغتنا على الاستجابة الفورية، إلى أن أصبح التأخير يُشعرنا بالخوف، أو الرفض، أو أن هناك خللًا.
ماذا لو تمهلنا قليلًا؟
التمهل لا يعني التأخر، بل يعني أننا حاضرون فعلًا. جرّب أن تشرب قهوتك دون أن تتصفح هاتفك، أن تمشي بلا سماعات، أن تعيش لحظاتك مع الشيء وذهنك حاضرٌ معك دون أن تزعج نفسك بإنجاز شيء آخر، وكأن العالم يركض خلفك.
هذا لا يعني أنك غير منجز، بل يعني أنك تعيش لحظتك بكامل وعيك.
وإن سرقك قلق الانتظار، أو شعرت أن العالم المتسارع يضغط على أنفاسك، فجرّب أن تتنفس:
خذ شهيقًا عميقًا من أنفك لمدة ٤ ثوانٍ،
ثم احبس نفسك لـ ٧ ثوانٍ،
وأخرج زفيرًا بطيئًا من فمك لمدة ٨ ثوانٍ.
تمرين صغير، لكنه يعطي جسدك تذكيرًا بأنه لا داعي للقلق.
أمل احمد الغامدي
كلية العلوم الطبية التطبيقية.