حينَ يعبُر التغييرُ بالعِلم، تُولَد الفُرص

في لحظةٍ فارقةٍ من الزمن، وجدتُ نفسي عند مفترق طرق: طالبةُ دراساتٍ عُليا تُمسك بخيوط الحُلم من جهة، ومُشرفةٌ تربويةٌ في إدارة التعليم تُبحر وسط أمواج التغيير من جهةٍ أخرى. لم يكن المسار هيّنًا؛ بين قاعات الجامعة ومكاتب العمل، كانت تتكوّن ملامحُ مرحلةٍ جديدة، رافقها تغييرٌ هيكليّ واسع في بيئة العمل، يحمل بين طيّاته أسئلةً كثيرة، ومجهولًا لا بدّ من احتضانه بثقةٍ ويقين.
لكن ما خفّف وطأة هذا التحوّل، أنني لم أكن فارغةَ الوفاض؛ كنتُ قد زوّدتُ نفسي بأدواتٍ لم أعلَم آنذاك أنها ستكون مفاتيح عبوري الآمن نحو الاستقرار. مهاراتُ البحث العلمي، بمختلف مكوّناتها، تجمّعت لترسم أمامي خارطةً ذهنيّة ساعدتني على فهم الواقع الجديد، وتقبُّلِ التغيير بوصفه فرصةً للنمو وإعادة التشكيل.
تعلّمتُ من مقاعد الدراسة أن كلّ ظاهرةٍ تحمل في أعماقها سببًا، وكلّ تساؤلٍ يقود إلى معرفة، وكلّ تغييرٍ ـ مهما بدا مُربكًا ـ إنما هو فرصةٌ متخفّيةٌ لمن يتأمّل، ويفكّر، ويخطّط. وهكذا استطعتُ أن أُهيّئ نفسي، نفسيًا وعمليًا، لأكون طرفًا فاعلًا في المرحلة الجديدة. أصبحتُ أبحث، وأستقصي، وأضع الفرضيّات، وأختبرها في ميدان العمل، وكأنني أكتب فصلًا جديدًا من بحثٍ علميّ حيّ، عنوانه: “النجاة بالتعلّم.”
واليوم، أُشارك زميلاتي وزملائي الطلبة هذه التجربة بكلّ فخر. أقول لهم: لا تستهينوا بأدواتكم العلميّة. طوّروها، استثمروها، وكونوا على استعدادٍ دائمٍ للتغيير. فالتغيير لا يستأذن أحدًا، بل يأتي دون إنذار. والذكيّ مَن يُحسن توجيه نظره ليرى في طيّاته فرصةً لا أزمة.
في خاتمة هذه الرحلة، أدركتُ أن دراستي للماجستير لم تكن تأهيلًا أكاديميًا فحسب، بل كانت تدريبًا عميقًا على الحياة نفسها. وكلّ مرحلةٍ صعبةٍ مررتُ بها، لم تكن سوى تمهيدٍ نفسيٍّ لمرحلةٍ أعظم.
كلية التربية-باحثة ماجستير إدارة وتخطيط تربوي