
في كل أمة لحظة فارقة، تتشكل عندها ملامح الهوية، وتنسج فيها خيوط التاريخ لتصبح جزءًا من ذاكرة العالم. ويوم التأسيس السعودي هو يوم لا يقاس بالزمن، بل يقاس بمعناه وبما يحمله من جذور ضاربة في عمق الأرض، ممتدة في روح الإنسان السعودي.
يأتي يوم التأسيس، الذي يوافق 22 فبراير، محمّلًا برائحة البدايات، حيث إعلان الإمام محمد بن سعود تأسيس الدولة السعودية الأولى عام1139هـ- 1727م، تلك الدولة التي لم تكن مجرد كيان سياسي، بل كانت مشروعًا تاريخيًا للنهضة والاستقرار، فكان هذا التأسيس بداية لرؤية جديدة، ولحلم امتد عبر ثلاثة قرون، ليصوغ ملامح المملكة العربية السعودية كما نعرفها اليوم.
ليس الاحتفال بيوم التأسيس مجرد استذكار لتاريخ يوم مضى، وإنما هو استعادة لروح ذلك الزمن، لقصص الرجال والنساء الذين صنعوا التاريخ بصبرهم وإصرارهم، لأولئك الذين جعلوا من نجد، بجبالها وسهولها وواحاتها، نواة لحضارة عربية إسلامية. وهو أيضًا مناسبة لاستلهام العبر من الماضي، والنظر إلى المستقبل برؤية تستند إلى ثوابتنا، وتدرك حجم التحولات التي مرت بها المملكة، وكيف أصبحت نموذجًا للحفاظ على الهوية وسط متغيرات العصر.
الاحتفال بيوم التأسيس احتفاء بذاكرة الوطن التي توحّد السعوديين جميعًا، وتجعلهم يدركون أن هذا الوطن امتداد لمسيرة طويلة من العطاء والتضحية. إنه يومٌ يتأمل فيه كل مواطن معنى الانتماء، ويرى كيف أن هذه الأرض لم تكن يومًا مجرد حدود جغرافية، بل كانت دائمًا فكرة عظيمة، تنبض بالحياة، وتستمر عبر الأجيال.
في يوم التأسيس، نحن لا نحتفل فقط، بل نروي الحكاية، بكل تفاصيلها، بأبطالها المعروفين وغير المعروفين، بتلك اللحظات التي رسمت قـَدَر هذا الوطن، وبهذا الشعور العميق الذي يجعلنا ندرك أن التاريخ ليس ماضياً فقط، بل هو حاضر نعيشه، ومستقبل نصنعه.